كتابُ صَفَنْيا
من المرجح أن صفنيا قد دون لنا هذا الكتاب بإرشاد روح الله في وقت ما سابق لسنة 621 ق. م. كان صفنيا نبياً في مملكة يهوذا في العقود الأخيرة من وجودها، أي قبل دمارها في سنة 586 ق. م. وكان يوشيا هو ملك يهوذا حينذاك، ولا شك أن كرازة صفنيا كان لها بعض الأثر في حث الملك على إجراء إصلاحات شاملة في سنة 621 ق. م. غير أن هذه الإصلاحات لم تكن وافية تماما بالغرض، كما أنها تمت في وقت متأَخر، إذ ما لبث الناس أن غرقوا في مستنقعات الخطيئة من جديد فسقطت مدينة أُورشليم في أيدي البابليين الغزاة. رسالة صفنيا اتسمت بالشدة، كما بينت على دينونة الله العادلة. ولم تقتصر نبوءات صفنيا على مملكة يهوذا بل تخطتها إلى الممالك المجاورة التي تحتم عليها أن تقاسي من قضاء الله ودينونته أيضا. لقد أمل أهل يهوذا أن يترفق بهمِ الله في يوم قضائه على الرغم مما اقترفوه من آثام، وأن ينصب احتدام غضبه على أعدائهم. بيد أن صفنيا قال لهم بصريح العبارة إنه عندما يدين الله الخطيئة فإن الذين يتمتعون بمعرفة أكثر تكون دينونتهم أعظم. تبدأُ الدينونة بيهوذا وتنتهي بالأُمم الأُخرى. ولكن إن تاب أهل يهوذا من كل قلوبهم فإن الله يكف عنهم دينونته وينعم عليهم بالحياة والبركة.
١
١ هَذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي أَوْحَى بِهَا إِلَى صَفَنْيَا بْنِ كُوشِي بْنِ جَدَلْيَا بْنِ أَمَرِيَا بْنِ حَزَقِيَّا، فِي عَهْدِ حُكْمِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا. ٢ يَقُولُ الرَّبُّ: «سَأَمْحُو مَحْواً كُلَّ شَيْءٍ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ. ٣ أُبِيدُ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ، وَأَقْضِي عَلَى الأَشْرَارِ وَمَعَاثِرِهِمْ، وَأَسْتَأْصِلُ الْبَشَرَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. ٤ أَمُدُّ يَدِي لأُعَاقِبَ يَهُوذَا وَكُلَّ أَهْلِ أُورُشَلِيمَ، وَأُفْنِي مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بَقِيَّةَ عَبَدَةِ الْبَعْلِ، وَكُلَّ كَهَنَةِ الْوَثَنِ. ٥ وَالَّذِينَ يَصْعَدُونَ إِلَى السُّطُوحِ لِلسُّجُودِ لِكَوَاكِبِ السَّمَاءِ، وَالَّذِينَ يَجْثُونَ عَابِدِينَ الرَّبَّ حَالِفِينَ بِاسْمِهِ، وَبِاسْمِ مَلْكُومَ أَيْضاً. ٦ وَالَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ اتِّبَاعِ الرَّبِّ، وَالَّذِينَ كَفُّوا عَنْ طَلَبِهِ وَالْتِمَاسِهِ. ٧ اصْمُتُوا فِي مَحْضَرِ السَّيِّدِ الرَّبِّ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ بَاتَ وَشِيكاً. قَدْ أَعَدَّ الرَّبُّ ذَبِيحَةً وَقَدَّسَ مَدْعُوِّيهِ. ٨ فَيَكُونُ فِي يَوْمِ ذَبِيحَةِ الرَّبِّ أَنِّي أُعَاقِبُ الرُّؤَسَاءَ وَأَبْنَاءَ الْمَلِكِ وَكُلَّ مَنْ يَرْتَدِي ثِيَاباً غَرِيبَةً وَثَنِيَّةً. ٩ وَأُعَاقِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلَّ الَّذِينَ يَقْفِزُونَ مِنْ فَوْقِ عَتَبَةِ الْهَيْكَلِ (عَلَى غِرَارِ كَهَنَةِ دَاجُونَ)، الَّذِينَ يَمْلأُونَ بَيْتَ سَيِّدِهِمْ جَوْراً وَنَهْباً. ١٠ وَيَقُولُ الرَّبُّ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَتَرَدَّدُ صَرْخَةٌ مِنْ بَابِ السَّمَكِ وَوَلْوَلَةٌ مِنَ الْحَيِّ الثَّانِي، وَيُدَوِّي صَوْتُ تَحْطِيمٍ فِي التِّلاَلِ. ١١ وَلْوِلُوا يَاسُكَّانَ دَائِرَةِ السُّوقِ، لأَنَّ تُجَّارَكُمْ يَبِيدُونَ، وَكُلَّ الْمُتَاجِرِينَ بِالْفِضَّةِ قَدِ اسْتُؤْصِلُوا. ١٢ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُفَتِّشُ أُورُشَلِيمَ بِمِصْبَاحٍ، وَأُعَاقِبُ النَّاسَ الْمُتَرَبِّعِينَ فَوْقَ قَاذُورَاتِهِمْ، الْقَائِلِينَ فِي قُلُوبِهِمْ: إِنَّ الرَّبَّ لاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ. ١٣ فَتُصْبِحُ ثَرْوَتُهُمْ غَنِيمَةً، وَبُيُوتُهُمْ خَرَاباً. يُشَيِّدُونَ بُيُوتاً وَلاَ يَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُوماً وَلاَ يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرِهَا. ١٤ إِنَّ يَوْمَ الرَّبِّ الْعَظِيمِ قَرِيبٌ، وَشِيكٌ وَسَرِيعٌ جِدّاً. دَوِيُّ يَوْمِ الرَّبِّ مُخِيفٌ، فِيهِ يَصْرُخُ الْجَبَّارُ مُرْتَعِباً. ١٥ يَوْمُ غَضَبٍ هُوَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، يَوْمُ ضِيقٍ وَعَذَابٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظُلْمَةٍ وَاكْتِئَابٍ، يَوْمُ غُيُومٍ وَقَتَامٍ. ١٦ يَوْمُ دَوِيِّ بُوقٍ وَصَيْحَةِ قِتَالٍ ضِدَّ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ وَالْبُرُوجِ الشَّامِخَةِ. ١٧ فِيهِ أُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ، لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا بِحَقِّ الرَّبِّ، فَتَنْسَكِبُ دِمَاؤُهُمْ كَالتُّرَابِ، وَلَحْمُهُمْ يَتَنَاثَرُ كَالْجِلَّةِ. ١٨ لاَ يُنْقِذُهُمْ ذَهَبُهُمْ وَلاَ فِضَّتُهُمْ فِي يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ، إِذْ بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُلْتَهَمُ كُلُّ الأَرْضِ، وَفِيهِ يَضَعُ نِهَايَةً مُبَاغِتَةً كَامِلَةً سَرِيعَةً لِكُلِّ سُكَّانِ الْمَعْمُورَةِ».